إن الباحث المتخصص مطلوب منه أن يحدد مشكلة بحثه بالاستناد إلى معطيات واقعية من مصادر معينة، وتعتبر مرحلة الوصول إلى مشكلة البحث وتحديدها من أهم المراحل، فبدون وجود مشكلة لا حاجة للبحث عن إجابة للتساؤلات، وهو ليس بالعمل البسيط، إذ لا تخلو هذه المرحلة عادة من الصعوبة والحيرة من جانب الطالب في اختيار المشكلة المناسبة، كما لا تخلو من القلق؛ لأنها تستغرق وقتًا طويلًا مما كان يظنه الباحث، وفي مثل تلك الحالات التي يتسرع فيها الباحث في اختيار موضوع بحثه كثيرًا ما يغيره أكثر من مرة حتى يقتنع بأن الموضوع الذي توصل إليه في النهاية هو الأنسب.
هناك مفاهيم وتصورات خاطئة عن الرسالة العلمية لدى البعض من الباحثين خاصة في الدراسات العليا، فمنهم من يرى البحث مجرد تجميع بيانات ومعلومات؛ فيأخذه الحماس في تجميع كميات كبيرة منها، ويعتقد أن تلخيصها وتنظيمها هو البحث أو الرسالة، وذلك دون أن يكون لديه تصورًا واضحًا للمشكلة التي يقوم على أساسها بجمع هذه المعلومات، ومنهم من يرى أن البحث مجرد استخدام أدوات ووسائل في القياس لجمع بيانات عدد معين من الاختبارات أو الاستفتاءات وغيرها من المقاييس، ويغفلون أنها أدوات للبحث ووسائله وليست غايته، وأنها ما لم ترتبط بأهداف البحث أو مشكلته تكون فاقدة للقيمة.
يحتاج البحث العلمي من جانب الباحث إلى جمع معلومات واستخدام أدوات ووسائل للقياس للحصول على بيانات وإحصائيات، ولكن البحث العلمي أشمل من ذلك وأعمق، إنه فكر وتخطيط وعمل ذكي بقصد الوصول إلى نتائج وتعميمات يوثق في صحتها بالنسبة لمشكلة معينة.
مصادر الحصول على مشكلة البحث:
1- التخصص الدراسي:
إن التخصص الدراسي العلمي يوفر للباحث خبرة بالمعرفة والإنجازات العلمية في مجال تخصصه، كما يساعده إلى حد كبير في إيضاح مشكلاته وتحليلها، ومعرفة المشكلات التي سبق لبحوث معينة تناولها بالدراسة والبحث، والمشكلات الأخرى القائمة في المجال والتي ما زالت تحتاج إلى جهود علمية لدراستها، وكلما اتصفت هذه الخبرة بالعمق والشمول في نفس الوقت؛ كلما ساعدت الباحث على فهم مجال هذه المشكلات وأبعادها المختلفة، وذلك له قيمة في اختيار المشكلة وتحديدها.
2- برامج الدراسات العليا:
توفر معظم الجامعات للطلاب برامج دراسية متقدمة يدرس فيها الباحثين بعض المقررات التي تزودهم بخبرات لازمة في إعدادهم لمرحلة البحث، وبعض الدراسات يستغرق سنة دراسية كاملة بعد حصولهم على الدرجة الجامعية الأولى وتسجيلهم للدراسات العليا، وبعضها الآخر قد يستغرق فترة دراسية أطول، وهي ما تسمى عادة بالدراسات العليا التمهيدية للحصول على الماجستير، وهناك أيضًا حلقات الدراسات العليا أو (السيمنار) التي يشارك فيها طلبة الماجستير والدكتوراه، وتشتمل هذه البرامج على نشاطات متعددة ومتنوعة تزود الطلبة بخلفية علمية مناسبة لا تقتصر فائدتها للطالب على مرحلة اختيار مشكلة معينة للبحث فحسب، وإنما تمتد لتفيد الباحث في البحث ككل وفي جميع مراحله، ويدرس الباحثين فضلًا عن مواد تخصصهم كالمواد الدراسية المساعدة، ومنها: الإحصاء، ومناهج البحث، والقياس والتقويم، وتكليفهم بوضع خطط للبحوث المقترحة، ومناقشتها وتقويمها من جانب الأساتذة وزملائهم المشاركين في حلقات السيمنار وغير ذلك؛ مما ينمي خبرات الباحثين في مجال البحث العلمي.
3- الخبرة العملية:
الخبرة العملية كالعمل الميداني التربوي، لها أهميتها في استكشاف بعض المشكلات المُلحة الموجودة في واقع الميدان، وتحتاج إلى دراسات للتوصل إلى حلول علمية لها، ومثل هذه الخبرة قد تساعد في التعرف على مشكلات يصعب أن يتعرف عليها عن طريق مصادر أخرى.
إن المشكلة التي يختارها الباحث بنفسه في ضوء خبراته العملية الميدانية كثيرًا ما تكون لها أهمية عند الباحث، ومن ناحية أخرى فكثيرًا ما يلاحظ على الباحثين حديثي التخرج والذين لا تتوفر لديهم خبرة العمل الميداني اللجوء إلى الأساتذة المشرفين لكي يختاروا لهم موضوعات أو يحددوا لهم مشكلات معينة لدراستها، ويبررون ذلك بأنهم حاولوا أكثر من مرة ولكن يبدو لهم أن الواقع الميداني قد خلا من المشكلات التي تصلح للدراسة، وهو بلا شك اعتقاد خاطئ أساسه النظرة الضيقة المحدودة لخبراتهم العملية.
والخبرة العملية ليست المصدر الوحيد للوصول إلى مشكلات البحث، وخبرات الباحث المرتبطة بجميع المصادر الأخرى متكاملة، ويعزز بعضها البعض، وفضلًا عن ذلك فإن الحساسية للمشكلات والقدرة على إدراكها والتمييز بين المهم منها والأقل أهمية تحتاج من جانب الباحث إلى عقلية يقظة ناقدة، وبصيرة نافدة، والدليل على ذلك إن هناك افرادًا يتوفر لديهم خبرة ميدانية لسنوات طويلة في مجال عملهم، ورغم ذلك لا تتوافر لديهم القدرة على رؤية بعض المشكلات التي يعاني منها الواقع الميداني.
4- الدراسات المسحية للدراسات والبحوث السابقة:
الدراسة التحليلية والناقدة للدراسات والبحوث السابقة المنشورة يمكن أن تكشف للباحث عن نواحي قصور معينة في الدراسات السابقة والتي ما زالت تحتاج إلى إجراء بحوث حولها، وكذلك تُفيد في نواحي أخرى كثيرة، منها: أنها تزود الباحث بأفكار ونظريات وفروض وتفسيرات معينة قد تساعد الباحث على تحديد أبعاد المشكلة التي يبحث فيها، كما تعرفه على أنواع من تصميمات البحوث وطرق وأساليب متعددة ومتنوعة في البحث يمكن أن يفيد منها في بحثه، فالكثير من هذه البحوث تشتمل في نهايتها على توصيات ومقترحات بإجراء بحوث معينة ترتبط بمشكلة البحث أو الواقع الميداني بشكل عام.
إن معرفة الطالب بالبحوث الجارية في الميدان واتجاهاتها تفيد في التوصل إلى مشكلات معينة تصلح للبحث، ومنع تكرار اختيار الباحث لمشكلة سبق دراستها، وفي بعض الحالات تنتهي الرسائل والاطروحات بنتائج غير مؤكدة؛ وذلك بسبب قلة توافر البيانات أو الضعف في إمكانية الباحث خاصة المبتدئ على تحليلها أو الوصول إلى مثل هذه النتائج، وقد تنتهي بعض الرسائل العلمية بنتائج مؤكدة ولكنها من ناحية أخرى تقوم على أساس بيانات محدودة كأن تكون عينة أفراد البحث صغيرة جدًا لا تمثل مجتمع البحث، ويمكن في مثل هذه الحالات إجراء بحوث تستخدم فيها عينات كبيرة وممثلة إلى حد كبير لمجتمعها الأصلي بقصد الوصول إلى نتائج تسمح بالتعميم وبتطبيقات واسعة لها أهميتها في الميدان التربوي، ويستطيع الطالب استعارتها وقراءتها، ويمكن أن يحدد الطالب نسخًا من رسائل الماجستير والدكتوراه في مكتبات الكليات أو الجامعات، حيث تحتفظ الجامعات بنسخ للرسائل العلمية، وكذلك المجلات العلمية العربية والأجنبية التي تنشر ملخصات للرسائل والاطروحات، واليوم أصبح متاحًا للطلبة الحصول على الكثير من هذه البحوث من خلال الإنترنت، والمراسلة مع الجامعات للحصول على ما يستجد من بحوث ودراسات علمية.
5- القراءة الناقدة:
ينبغي أن يدرك الباحث منذ بداية التحاقه بالدراسات العليا أهمية القراءة الناقدة في تكوينه كباحث، وتشمل هذه القراءة إلى جانب قراءته للرسائل ومُلخصاتها كتب المراجع العلمية، وكتب الثقافة العامة التي توفر له خبرة عميقة، حيث إن خبرات الباحث ضرورية وبالأخص في مرحلة البحث عن مشكلة معينة للبحث والمشاركة في المناقشات الناقدة المثمرة التي تدور عادة في السيمنار.
إن اتباع الأسلوب الناقد في التفكير والقراءة والمناقشة أمرًا ينبغي لكل باحث أن يحرص عليه، وبالأخص المبتدئ, وينصح الباحث بأن يحتفظ بمذكرات منظمة يسجل فيها الملاحظات والأفكار المتصلة بالموضوع الذي يريد البحث فيه سواء كانت منبثقة من تفكيره أو استقصاءه الذاتي، أو من قراءاته أو من محاضرات الأساتذة والاستشارات العلمية بخصوص موضوع بحثه، فتلك الملاحظات تثير لديه بعض الأفكار التي تفيده في بحثه.
المصدر: ماجدة العلي. (2017). مناهج البحث العلمي في التربية وعلم النفس
أكاديـمـيـا جلـــــوب
طريقك لمستقبل أكاديمى واعد
معلومات الاتصال
تواصل مع اكاديميا جلوب من خلال مواقع التواصل الاجتماعى او ارسل لنا بريد الالكترونى لتستقبل كل جديد
طرق الدفع
تابعنا على تويتر