خصائص البحث النوعي
يعتمد البحث النوعي علي المقابلات أو الملاحظة في الميدان الطبيعي للحياة الاجتماعية اليومية، إضافة لجمع وتحليل الوثائق والمستندات. ومن خصائص البحث النوعي ما يلي:
استراتيجيات البحث النوعي: دراسة الحالة
تُشكل دراسة الحالة أحد أبرز استراتيجيات البحث النوعي. وتركز هذه الاستراتيجية علي التعمق والفحص الدقيق لوضع معين أو حالة فردية.
والفكرة الأساسية في دراسة الحالة هي أن تتم دراسة حالة واحدة ( أو ربما عدد من الحالات) بشكل مفصل ودقيق عبر استخدام كافة الوسائل المناسبة والمتاحة.
وقد يكون هناك تنوع في أهداف أو أسئلة دراسة الحالة إلا أن الهدف العام هو الوصول إلي أكمل وأشمل فهم ممكن لتلك الحالة.
وتتميز دراسة الحالة عن غيرها من أنواع الأبحاث في أنها تتعمق في فهم حالة معينة في وضعها وسياقها الطبيعيين، دون الانشغال بتعميم النتائج علي الحالات الأخرى. وتكمن فوائد دراسة الحالة في الإضاءة علي موضوع معين عبر التعمق والتخصص الدقيق في حالة واحدة ( أو حالات محددة). وتعتبر دراسات الحالة ثروة مهمة في المعرفة العلمية لأنها تحلل تفاصيل الحالة وتضئ علي التفاعلات والديناميات الاجتماعية التي لا يمكن التقاطها في معظم استراتيجيات البحث الأخرى.
طرق جمع المعلومات في البحث النوعي
هناك أربعة طرق أساسية لجمع المعلومات في البحث العلمي النوعي: المقابلة الفردية، المقابلة الجماعية، الملاحظة، وتحليل الوثائق.
وهناك نوعان من المقابلات:
ـ المقابلات المنظمة interview) structured )، حيث يتم سؤال المشارك سلسلة من الأسئلة المعدة سلفاً وبنفس الترتيب والطريقة. ويكون دور الباحث محايداً، كما أن طبيعة هذا النوع من المقابلات يركز علي الأسئلة العقلانية لا العاطفية. ويمكن أن تكون الإجابات محددة الأنماط مسبقاً ( قدر ضئيل في تنوع الإجابات)، أو يمكن أيضاً استخدام الأسئلة المفتوحة التي تسمح لمشارك الإجابة بالطريقة التي يريد، دون قيود أو ضوابط.
ـ المقابلة غير المنظمة (semi- structured interview) هي مقابلة غير مقننة، ذات أسئلة مفتوحة وعميقة. ويكون دور الباحث أقرب إلي دور مدير للحوار أكثر من مقابل. هذا النوع من المقابلات يمكن الباحث من فهم تفكير المشارك وسلوكه دون إسقاط فرضيات الباحث المسبقة أو تصنيفاته عليه، والتي قد تحد من أقوال وتفاعل المشارك.
قد تظهر المقابلة الجماعية جوانب من الحالة المدروسة ربما لا تظهر في أنواع المقابلات الأخرى، وذلك نتيجة لما يعطيه التفاعل بين آراء المشاركين.
والملاحظة يمكن أن تكون كمية ومنظمة، أو نوعية وغير منظمة:
ـ في الملاحظة الكمية يقوم الباحث بملاحظة وجمع المعلومات الرقمية عن طريق أدوات معدة سلفاً ( مثلاً عدد الطلاب الذي ي يتفاعلون في الصف، عدد النازحين الذين يقطعون المعابر الحدودية، حساب الوقت المستغرق لإتمام عملية عبور الحدود، إلخ.)
ـ أما الملاحظة النوعية فهي أقل تنظيماً من ذلك، إذ أن الباحث لا يستخدم تصنيفات وأنماط محددة سلفاً، بل يسجل ملاحظاته بشكل تلقائي ومفتوح، فيقوم بتسجيل الواقع كما يحدث. والفكرة الأساسية هنا هي أن التصنيف والتوصيف الذي تتعرض له المعلومات الناتجة عن الملاحظة ستظهر بعد جمع المعلومات وتحليلها، بدلاً من أن تُفرض علي المعلومات في أثناء عملية الملاحظة.
كتابة أسئلة المقابلة أو الاستبيان
Interview Questionnaire or Survey ) )
هناك ضوابط وقيود يجب علي الباحث اتباعها في كتابة أسئلة المقابلة أو الاستبيان، ومنها:
ـ الوضوح في صياغة السؤال
ـ الاختصار: لا يجب أن يكون أي سؤال أطول من سطر واحد، ولا يجوز أن يكون هناك مقدمة للسؤال إذ أن ذلك يمكن أن يؤثر علي إجابة المشارك
ـ وجود متغير واحد في كل سؤال: يجب علي كل سؤال أن يتناول جانب ( متغير ) واحد من الموضوع للحفاظ علي الدقة. لا يجب أن يكون هناك أكثر من سؤال في سؤال واحد
ـ عادة ما يبدأ الاستبيان بالأسئلة العامة أولاً قبل الدخول في التفاصيل والأسئلة المتعلقة مباشرة بسؤال وفرضيات البحث
عندما يبدأ الباحث في كتابة أسئلة الاستبيان أو المقابلة يجب أن يكون حريصاً علي تقليص مصادر التأثير علي إجابة المشاركين. لذا تعتبر مرحلة كتابة الأسئلة من أكثر المراحل دقة وصعوبة. وهناك ثلاثة مصادر رئيسية يمكن أن تأثر علي الإجابات، وهي:
تأثير صياغة السؤال واختيار المفردات ( Wording Effect):
لا شك في أن كيفية صياغة السؤال له تأثير علي الإجابة. فالمفردات التي ننتقيها للسؤال ممكن أن تغير نتائج البحث إذا لم تكن مدروسة بدقة. فمثلاً، تم طرح السؤال التاي علي العينة نفسها، وهنا نتائج الإجابات:
أ ) هل تعتقد أن علي الولايات المتحدة السماح بالخطابات المعادية للديمقراطية؟
ـ 21% من الإجابات مع حرية الخطاب
ب) هل تعتقد أن علي الولايات المتحدة منع الخطابات المعادية للديمقراطية
ـ 39% من الإجابات مع حرية الخطاب
ومن هنا نري كيف أن المفردات التي نختارها في أسئلتنا يمكن أن تأثر علي الإجابات
إضافة إلي ذلك، في الاستبيانات يمكن للاحتمالات التي نعطيها للمشارك في الإجابات أن تأثر علي خياره. ففي المثال أدناه نري أنه في الحالة الأولي، تتراوح احتمالات الإجابة علي سؤال " كم ساعة تشاهد التلفاز يومياً؟" بين النصف ساعة والساعة والنصف، مما يعطي رسالة غير مباشرة للمشارك بأن هذه المروحة من الوقت هي" الطبيعية " كمعدل لمشاهدة التلفاز يومياً. ففي هذه الحالة، عادة ما يُجيب معظم المشاركين أنهم يشاهدون التلفاز يومياً بين النصف الساعة والساعة والنصف ( إجابات الوسط)
أما في الحالة الثانية، فتري أن الاحتمالات توحي بأن معدل الوقت " الطبيعي " لمشاهدة التلفاز يومياً في الإجابات تلقائياً. وهذا الارتفاع يكون ناجماً تحديداً عن تأثير صياغة الاحتمالات، وليس بالضرورة ارتفاعاً فعلياً في ساعات مشاهدة التلفاز.
مثال: كم ساعة تشاهد التلفاز يومياً؟
احتمالات الإجابة في الحالة 1
أقل من نصف ساعة
بين نصف ساعة
بين ساعة ولساعة ونصف
أكثر من ساعة ونصف
احتمالات الإجابة في الحالة 2
أقل من ساعة ونصف
بين ساعة ونصف وساعتين
بين ساعتين وساعتين ونصف
أكثر من ساعتين ونصف
تأثير ترتيب تسلسل الأسئلة أو الإجابات Order Effect )):
مثلما تأثر صياغة الأسئلة والإجابات علي نتيجة البحث، كذلك يؤثر ترتيب تسلسل الأسئلة ( من عامة إلي خاصة، والعكس) يمكن أن يأثر علي الإجابة فإذا كان المشارك في البحث شخصاً سعيداً نسبياً ولكن يمر ببعض المشاكل الزوجية، فيمكن لترتيب الأسئلة أن يغير إجاباته. فإذا سألناه أولاً عن مستوي سعادته العامة، يمكن أن يجيب بأنه سعيداً أو حتي سعيد جداً. أما إذا بدأنا بالسؤال عن السعادة الزوجية، فالسلبية في الإجابة ممكن أن تأثر علي قياسه لسعادته العامة لأنه سيكون قد دُفع للتفكير عن العلاقة الزوجية ضن قياسه للسعادة العامة.
فإذا كان المشارك في البحث شخصاً سعيداً نسبياً ولكن يمر ببعض المشاكل الزوجية. فيمكن لترتيب الأسئلة أن يغير إجاباته. فإذا سألناه أولاً
مثال: ترتيب تسلسل الأسئلة( Order Effect)
سؤال 1
كيف تصف مستوي سعادتك العامة؟
سعيد جداً
سعيد
غير سعيد
غير سعيد أبداً
سؤال 2
كيف تصف مستوي سعادتك الزوجية؟
سعيد جداً
سعيد
غير سعيد
غسر سعيد أبداً
سؤال 3
كيف تصف مستوي سعادتك الزوجية؟
سعيد جداً
سعيد
غير سعيد
غير سعيد أبداً
سؤال 2
كيف تصف مستوي سعادتك العامة؟
سعيد جداً
سعيد
غير سعيد
غير سعيد أبداً
كذلك الأمر في ترتيب تسلسل الإجابات ( ليس (سعيد جداُ) أو سلبياً ( غير سعيد أبداً) يمكن أن فقط الأسئلة) . فإذا بدأت الاحتمالات إيجابياً يؤثر ذلك علي خيارات المشاركين.
مثال: ترتيب تسلسل الإجابات
سؤال 1
كيف تصف مستوي سعادتك العامة؟
سعيد جداً
سعيد
غير سعيد
غير سعيد أبداً
سؤال 2
كيف تصف مستوي سعادتك العامة؟
سعيد جداً
سعيد
غير سعيد
غير سعيد أبداً
تحليل البيانات
تنتهي مرحلة جمع البيانات عادة بكم كبير ومتنوع من البيانات، تشمل نصوص المقابلات، والملاحظات الميدانية والتعليقات المبدئية عليها، بالإضافة إلي وثائق متنوعة كثيرة تتعلق بموضوع البحث. ويبدو لأول وهلة أن تحليل المواد المجموعة وتفسيرها واستخراج معانيها أمر شاق. وكثيراً ما يجد الباحث نفسه في حالة إحباط أمام هذا الكم الهائل من البيانات. لكن مع الخبرة ، تصبح الثروة المعلوماتية مصدراً للإبداع والتعمق في التحليل
وتتضمن مرحلة تحليل البيانات ترتيبها وتقسيمها إلي وحدات يمكن التعامل معها وتركيبها (synthesize) بحثاً عن أنماط (patterns) وأنساق لاكتشاف ما هو المهم وما يمكن أن يُستفاد منه من تلك البيانات. وهناك ستة خطوات يجب اتباعها لتحليل البيانات النوعية: تفريغ المقابلات، تنظيم البيانات، تصنيف البيانات، تسجيل البيانات، تحديد الأنساق والأنماط، والتحقق من النتائج.
من المهم جداً أن تكون المقابلات مكتوبة من أجل تسهيل عملية التحليل. وإذا كانت المقابلة مسجلة، يمكن تفريغ وكتابة الأجزاء المهمة والمرتبطة مباشرة بالبحث فقط.
ويمكن أن يتم هذا التنظيم بشكل يدوي، عن طريق وضعها في ملفات، أو يمكن الاستفادة من البرامج الآلية في تصنيفها وفهرستها علي الكمبيوتر. وهناك برامج مخصصة للبحث النوعي تساعد علي عمليات تنظيم البيانات وتحليلها، مثل NVIVO
تصنيف البيانات (Coding): في القراءة الأولية للبيانات يبدأ الباحث في تسجيل نظام تصنيف يساعده أثناء التحليل. وهذا النوع من التصنيف هو عبارة عن إعطاء عناوين للمعلومات التي تحتويها البيانات المجموعة.
فهذا التصنيف يكون عنواناً أو اسماً لتلك الجزئيات التي يري الباحث أنها ذات معني في بحثه. وتُعتبر أسئلة البحث عاملاً أساسياً في تحديد وتوجيه نظام التصنيف إذ أن الباحث يطور أسئلة البحث علي ضوء المواضيع والعوامل المهمة لبحثه.
وتكون هذه الملاحظات علي شكل أسئلة تؤدي إلي مزيد من البحث سواء في المعلومات المتوفرة أو للبحث عن معلومات إضافية، أو علي شكل تسجيل علاقات بين الفئات التي وُضعت، لكنها تحتاج إلي تحقق.
وكلما تكررت القراءة زاد احتمال اكتشاف شيء جديد في البيانات، ولذا فإن الباحث يجب أن يكثر من قراءة بياناته ولا يكتفي بقراءة أو قراءتين. فكلما كثرت الأسئلة دون إجابات أو تعذر بناء نظام تصنيفي جيد كان ذلك مؤشراً علي نقص العينة والحاجة لمزيد من البينات.
فبعد أن يتم التصنيف المفتوح، ويتم وضع الملاحظات عليه تعاد قراءة البيانات المصنفة، لتصنيف الفئات مرة أخرى علي شكل أنماط وأنساق في مستوي تجريدي أعلي من التصنيف المفتوح الذي هو عبارة عن عناوين لجزئيات المعلومات.
وهذا النوع من التصنيف يحتاج إلي تفكير عميق وقراءة متأنية، لإيجاد علاقات وعمل مقارنات بين مجموعات البيانات، بحيث يحدد الباحث ما الأنماط والأنساق التي تكونت من تصنيف البيانات، ويبدأ في ضم بعضها والمقارنة بين تلك الأنساق والأنماط.
أخطاء شائعة في صياغة البحث النوعي
ويجب التنبه إلي عدم الوقوع في الأخطاء الشائعة الثلاث عند صياغة نتائج البحث النوعي:
أكاديـمـيـا جلـــــوب
طريقك لمستقبل أكاديمى واعد
معلومات الاتصال
تواصل مع اكاديميا جلوب من خلال مواقع التواصل الاجتماعى او ارسل لنا بريد الالكترونى لتستقبل كل جديد
طرق الدفع
تابعنا على تويتر